عند كثير من الناس ينتهي اليوم بمغيب الشمس . لهواة الفلك تكون البداية. في عمق السماء الشاسع تشكل هذه النقاط المضيئة قوة تنم عما هو اكبر بكثير مما نراه.
إن انجذاب الإنسان للنجوم ليس بالشئ الجديد. لقد سحرت النجوم اعين اسلافنا وشحذت مخيلاتهم. اليوم لم يتغير الكثير ، كل منا يتوق للنظر في الكون متسائلا عن مكنونات. يبحث البعض عن ابراجهم الفلكية، وينظر البعض ليتفكر في علوم النجوم، كل يرى بعين بصيرته، هكذا خلقنا كبشر.
كمرشد فلكي لا تنحصر مهمتي لإرشاد الناس حول بعض الأجرام السماوية بل ارافقهم إلي عالم يقبع على حدود النسيان. يجتهد الانسان المعاصر في يومه من دقيقة الى اخرى ومن مهمة إلى أخرى وعندما ينتهي النهار نميل إلى الارتماء على الأريكة ومشاهدة التلفاز مع تناول بعض التسالي. لكني احاول ان آغير هذا النسق فعندما يصل ضيوفنا اريد ان اوفر لهم الفرصة للدخول الى عالم الليل من بوابة السماء كما اراها أنا وأجعلهم يشعون بها كما آشعر بها أنا. بمعنى أخر اريد ان ادخلهم الى الكون الذي اصبح جزءا رئيسيا من حياتي.
يكون لقائي الاول مع ضيوف رم سكاي في قاعة المحاضرات. يعتقد غالبية الناس ان المحاضرة اخر شيء يتمنونه لقضاء أمسية ممتعة لكنه امر مهم لقضاء وقت مفيد وممتع معا وهي جزء مهم من هذه المغامرة الليلية. ان العرض الذي نقدمه يساعدني في تمهيد الطريق لبقية الأمسية وما سيأتي لاحقا في رصدنا الفلكي وجولتنا مع التلسكوبات.وهي الفرصة الوحيدة لي لرؤية وجوه الضيوف قبل ان ننغمس جميعا في الظلام الدامس وعيوننا معلقة في السماء.
لم يعتد الكثيرون على التحديق في الظلام ولكن هذا محيطنا المعتاد كراصدين فلكيين.
ينقسم الضيوف الى قسمين، فريق الرصد بالعين المجردة وفريق التلسكوبات،
يتعرف فريق العين المجردة علي دوران الارض من خلال حركة الاجرام السماوية المختلفة.
الجزء الثاني من الأمسية هو الرصد من خلال التلسكوبات التي تمكننا من مشاهدة عوالم سحيقة لا نراها بالعين المجردة، من الصعب وصف ما يمكن ان تراه بالتلسكوب وعليك ان تنظر بعينك لا للصور والفيديوات لتعرف عما نتحدث. بالنسبة لمعظم الضيوف تكون هذه المرة الأولى للنظر من خلال تلسكوبات كبيرة ومن الممتع سماع كلمات التعجب من الضيوف كل ليلة.
نقضي جميعنا أوقاتا طويلة نحدق في هواتفنا أو شاشات الكمبيوتر ويسعدني جدا ان ارفع نظر زوارنا للأعلي .. للسماء.
اختم مقالتي هذه بأمنية غالية على الراصد الفلكي … أتممنى لكم سماءا صافية.
فخري العلمي
عندما كانت في السادسة عشرة من عمرها اصطحبت ابنتي لين في مسير ليلي للرصد الفلكي في صحراء وادي رم. كان زيارتها الأولى لهذا المكان الساحر. ما أن حدقت في السماء المزدحمة بالنجوم في تلك الليلة الدامسة حت انهمرت دموع التعجب والدهشة على وجنتيها. تأملت ردة فعلها لجمال السماء التي ابدت الالاف من النجوم . شعرت بخيالات واسعة ان مكانا مثل هذا يوجد قريبا منا. من هنا بدأت رحلتي في عالم الفلك.
وادي رم صحراء آسرة الجمال في جنوب الأردن، تنافس البتراء مملكة الأنباط ودرة التاج السياحي الأردني في جذب السواح إليها وتحل كثاني مكان مفضل كمقصد سياحي. وادي رم تجربة لا تنسى وملاذ للهروب من حياة المدن الصاخبة.
تمثل صحراء رم حزمة من التجارب المختلفة، كثبان رملية تحيط بتشكيلات صخرية باسقة ترسم اجمل الوديان في الأرض ، تاريخ وثقافة بدوية منحدرة من غابر الأزمان. حفر بها الأنسان اخاديد الحياة من زمن الأنباط وصراعات سكان الصحراء مع الدولة العثمانية التي تمثلت بقصص البدو برفقة لورنس العرب ذائع الصيت، صحراء رم الأخاذة باتت ايضا مقصدا لتصوير كثير من الأفلام العالمية مثل : المريخي ، لورنس العرب و علاء الدين.
بعد ساعة قصيرة من مغيب الشمس المهيب عن خد الصحراء تبزغ الاف الاجرام السماوية في منطقة تصنيفها الفكلي (بورتل ٢) وهو مقياس من ١ الى ٩ يقيس عتمة السماء. يستطيع زائر الصحراء ان يرىآلاف الأجرام السماوية التي تستحيل رؤيتها في الأماكن المأهولة كالنجوم والكواكب والعناقيد النجمية والسدم الغازية.
شعرت من رحلتي الفلكية مع لين ان هذه التجربة ان يعيشها الجميع فبدأت رحلتي البحثية ي الفلك. ولا يضيرني ان أعترف اني بدأت ولم اكن استطيع التفريق لين الكوكب والنجم. كأي مبتدئ قرات مئات المقالات والكتب في الفلك واتيحت لي الفرصة ان اتعلم من الاشخاص المميزين في علم الفلك مثل الدكتور حنا صابات (استاذ الفيزياء الفلكية) والمصور الفلكي فخري العلمي الذي يقود اليوم فريق المرشدين الفلكيين في رم سكاي. واخذتني طريق البحث المحتمة الى بلدة سذرلاند في جنوب افريقيا لآتعلم من مشروع مشابه اسسه شخص مجتهد (اصبح صديقا الأن) اسمه يورخ واغنر الذي ساعدنا في تآسيس عمليات رم سكاي.
في نهاية تلك السنة ابتدأنا مشروعنا الحالم وبمساعدة العديد من الاصدقاء. انطلقت رم سكاي بتلسكوبين ومرشدين فلكيين اثنين.
اليوم لدينا خمسة تلسكوبات ودربنا المزيد من المرشدين الفلكيين وطورنا مرصدنا الفلكي باحدث الوسائل.
في ثلاث سنوات من العمل الصاخب ابتدأت بدهشة لين تمكن فريق رم سكاي من جعل وادي رم مقصدا مهما للرصد الفلكي لجميع زوار وادي رم.
فايز الخليفات